حان الوقت لبيع الأراضي والذهب
فادي عبود
Friday, 07-Nov-2025 07:42

يحاول البعض تصوير فكرة بَيع أراضي الدولة على أنّها مطلب من مطالب المصارف، في محاولة لشيطنة الاقتراح وإفراغه من مضمونه. إنّ مطالبة المصارف ببَيع الأراضي يأتي للتهرّب من مسؤولياتها ورمي الكرة في ملعب الدولة، لتنجو من دون محاسبة على الذي اقترفته، وهذا غير مقبول.

أمّا نحن، مطلبنا ببَيع الأراضي، فهو مطلب تأتي قبله خطوات كثيرة، تدقيق شامل في حسابات المصارف لتِبيان حقيقة الأرقام، وتحديد حجم المسؤوليات بين الدولة والمصارف والمصرف المركزي، أن تُرجِع المصارف الودائع المتبقية لديها من دون الجزء الذي أخذه المركزي، وبعد تقييم الجزء المسؤولة عنه الدولة، تبيع بعض الأراضي لإبراء ذمّتها تجاه المودعين، كما تحمّل مسؤولياتها في حقول أخرى، مثل التعويضات إلخ، (سنأتي على ذكرها في مقالات لاحقة)، وبالطبع تحت مظلة الشفافية المطلقة.

 

المهمّ، أنّ بيع بعض الأراضي يجب أن يأتي وفق رؤية استراتيجية وإنمائية.

 

- أراضٍ يجب بيعها: هناك أراضٍ تملكها الدولة لا تحقق أي فائدة اقتصادية، بل تُشكّل عبئاً. من أبرزها أراضي سكك الحديد البحرية الممتدة على طول الشاطئ اللبناني، وبقِيَت مجمّدة لسنوات طويلة.

 

بيع هذه الأراضي أو استثمارها بالشراكة مع القطاع الخاص، يحوّلها إلى مصدر دخل وفُرَص انتاج جديدة، بدل أن تبقى مشوّهة للواجهة البحرية.

 

أمّا مَن يقول إنّه يرفض بيع الأراضي بحجة تركها للأجيال القادمة، فليأتِ بخطة واقعية الآن، لا بشعارات عاطفية تُستخدم لتجميد البلد! أي أجيال سنترك لها هذه الأراضي إذا كان الناس اليوم يُسحقون تحت الفقر؟ من سُرقت ودائعهم يعيشون التعتير اليومي: حُرموا من الطبابة، وأولادهم من التعليم اللائق، وأعمالهم انهارت، وشركاتهم أُقفلت، فيما الأغنياء الذين جُمِّدت أموالهم، عاجزون عن إطلاق مشاريع استثمارية كانت لتكسر الشلل الاقتصادي وتُعيد الحياة إلى الدورة المالية.

 

- كل يوم نخسره من دون حلّ هو جريمة موصوفة تُرتكب بحق شعبٍ يُعاقَب مرّتَين - مرّة بالنهب، ومرّة بالشلل والإنكار. مَن يتذرّع بالحفاظ على الإرث الوطني ليعطّل أي مبادرة إنقاذ، يشارك فعلياً في تدمير المستقبل الذي يدّعي الدفاع عنه.

- أجيال المستقبل لا تحتاج إلى أراضٍ جامدة، بل إلى وطن حيّ نابض بالعمل والإنتاج والتعليم والصحة والكرامة. الحفاظ الحقيقي لا يكون بالجمود، بل بالتحرّك الذكي والشفاف، وباستثمار مدروس للأملاك العامة يعيد الحياة للاقتصاد ويحفظ حقوق الناس. فإمّا أن يُقدّم الرافضون خطة اقتصادية بديلة تنقذ البلد، أو فليكفّوا عن المزايدة بينما ينهار الوطن يوماً بعد يوم.

- كما يجب طرح موضوع بيع احتياطي الذهب بجرأة وعقلانية، لا بخوفٍ مقدّس وكأنّنا أمام صنمٍ ذهبيّ لا يُمسّ. فالقيمة الفعلية للذهب اليوم نفسية ومتوارثة أكثر ممّا هي إنتاجية أو اقتصادية. لا يجوز أن نبقى أسرى هذا المَوروث فيما البلد يغرق في الديون، ونستجدي قروضاً بشروطٍ مهينة، بينما الحلّ بين أيدينا.

- إنّ بيع الذهب هو خطوة أكثر منطقية من الاستمرار في الاستدانة التي لا تزيدنا إلّا خنقاً. فالذهب أصل جامد لا يخلق إنتاجاً، فيما الاقتصاد يحتضر والسيولة مفقودة.

- ثم لنسأل أنفسنا بوضوح: إلى متى سنبقى نعبد هذا المعدن كأنّه خلاصنا؟

 

العالم يتغيّر بسرعة، والصين دخلت فعلياً مرحلة تصنيع الذهب وتطويره للاستخدام الصناعي والتكنولوجي، ولا نعرف متى يجعلوه رخيصاً، (استفيدوا الآن قبل أن يحصل للذهب ما حصل بالكاوتشوك والألماس، وتذكّروا مدينة ماناوس) ما يعني أنّ نُدرَته - وسحره كملاذٍ آمن - بدآ يتآكلان فعلاً. فماذا ننتظر؟ أن يفقد قيمته ونكتشف متأخّرين أنّنا جلسنا على جبل من المعدن الصامت بينما انهارت حياتنا؟

 

- الذهب ليس رمزاً أبدياً، بل أداة يمكن أن تُنقِذ الاقتصاد إذا استُخدِمت اليوم بذكاء وشفافية.

بيعٌ مدروس ومنضبط أفضل ألف مرّة من التخزين العقيم الذي لا يغني جائعاً ولا يُعيد الحياة إلى عجلة الإنتاج.

 

الشفافية المطلقة شرط أساسي

 

قبل الإقدام على أي خطوة ، يجب أن يكون مبدأ الشفافية المطلقة أساساً لا نقاش فيه.

 

فلا بَيع ولا استثمار ولا إصلاح يمكن أن يُكتب له النجاح، ما لم تُكشف الحقائق كاملة أمام الرأي العام: حجم الأصول، حسابات المصارف، موجودات الدولة، والجهات المستفيدة من كل عملية.

 

الشفافية هي بداية الإنقاذ، وهي الضمانة الوحيدة لاستعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها.

الأكثر قراءة